في كل مرة يشارك فيها العداؤون المغاربة في بطولة كبرى، يطفو على السطح جدل واسع بين مؤيد ومشكك. هذا ما حدث مجددا في بطولة العالم لألعاب القوى بطوكيو، حيث تعرّض أبطال المغرب لسيل من التعليقات الساخرة والانتقادات اللاذعة، بعضها من الجمهور العادي، وبعضها الآخر وهو الأخطر من داخل بيت ألعاب القوى نفسه.
رأي الجمهور العادي، البعيد عن دهاليز ألعاب القوى، قد يُفهم في إطار العفوية والانفعال اللحظي، لذلك يمكن التساهل مع أحكامه حتى وإن بدت سطحية. لكن الإشكال الحقيقي يظهر حينما تصدر السخرية أو التقليل من قيمة الإنجاز عن مدربين أو عدائين سابقين.
إن جلد الذات بهذه الطريقة لا يخدم الرياضة الوطنية في شيء. العداؤون المغاربة، سواء وُفقوا أو أخفقوا، يمثلون المغرب في محافل عالمية لا يصل إليها إلا من بلغ الحد الأدنى من المعايير الصارمة (المينيما). هؤلاء ليسوا مجرد هواة يركضون في أزقة الأحياء، بل رياضيون خطوا خطوات كبيرة في عالم لا يرحم، ويحتاجون منا في أضعف الإيمان إلى الدعم المعنوي لا السخرية.
الواقع الميداني: الإمكانيات والظروف
صحيح أن واقع ألعاب القوى المغربية يعاني من أعطاب بنيوية: ضعف الإمكانيات، ارتباك في التسيير، وغياب بيئة محفزة لصناعة الأبطال. هذه عوامل أساسية في تراجع النتائج، لكنها لا تعفي العدائين أنفسهم من المسؤولية. فالمستوى الذي ظهر به أغلب المشاركين في طوكيو كان هزيلا، والإقصاء الجماعي من الأدوار الأولى يُعد سابقة خطيرة في تاريخ المغرب، البلد الذي اعتاد على التتويج في هذه البطولة منذ عقود.
سفيان البقالي: من منصة التتويج إلى الانسحاب الاختياري
وسط هذا المشهد الملبّد، يظل اسم سفيان البقالي العلامة المضيئة. بطل أولمبي وعالمي، أثبت مرارا أن الاجتهاد الشخصي قادر على صناعة الفارق، رغم محدودية الإمكانيات. فوزه بفضية 3000 متر موانع في طوكيو لم يُرضِ بعض الأصوات، مع أن ما حققه يظل إنجازا في حد ذاته. غير أن الضغوط والتعليقات السلبية كانت كافية لدفعه إلى اتخاذ قرار الانسحاب من سباق 5000 متر، منهيا موسمه عند هذه المحطة.
إن ما وقع للبقالي يجب أن يكون جرس إنذار. ليس فقط للمسؤولين الذين يختبئون وراء إنجاز فردي كلما اشتد النقد، بل أيضا للجمهور والفاعلين في الميدان. فالتقزيم المتواصل للعدائين، بدل تشجيعهم، يخلق مناخا خانقا يقتل الطموح قبل أن يقتل الجسد في المضمار.
الطريق إلى عودة ألعاب القوى المغربية إلى الواجهة لا يمر عبر التهكم، بل عبر إصلاحات جذرية تشمل تغيير العقليات قبل الأسماء: الاستثمار في البنية التحتية، توفير برامج إعداد علمية، تكوين مدربين أكفاء، وتحصين العدائين من الضغط النفسي. عندها فقط يمكن أن نطمح لعودة المغرب إلى منصة التتويج بفضل منظومة متكاملة، لا بفضل مجهود فردي يتيم.
قد يهمك أيضا: