التخريب المتعمد للمرافق العامة.. أزمة قيم أم أزمة ثقة؟

تشهد المرافق العامة في مختلف أنحاء البلاد ظاهرة متنامية من التخريب المتعمد، تجلت مؤخراً في الأضرار البالغة التي لحقت بمركب محمد الخامس الرياضي بالدار البيضاء، الذي خصصت له الدولة غلافاً مالياً ضخماً يقارب 225 مليون درهم لإعادة تأهيله استعداداً لاستضافة مباريات كأس إفريقيا.

تعكس هذه الظاهرة أزمة عميقة في العلاقة بين المواطن والدولة، وتكشف عن خلل في منظومة القيم المجتمعية. فالتخريب ليس مجرد سلوك فردي عابر، بل هو تعبير صارخ عن حالة انفصال وعدم انتماء، وغياب الشعور بالمسؤولية تجاه المال العام والمرافق المشتركة.

المشكلة متعددة الأبعاد، فهي تجمع بين أزمة قيم أخلاقية، وفجوة ثقة بين المواطن والمؤسسات الرسمية، وضعف الوعي بأهمية الحفاظ على الممتلكات العامة باعتبارها ملكية مشتركة يتحمل الجميع مسؤولية صيانتها.

لا تقتصر خسائر هذه الظاهرة على الجانب المادي فحسب، رغم فداحته، بل تتعداه إلى تكلفة معنوية باهظة تتمثل في تشويه صورة البلد أمام الزوار الأجانب، وإهدار فرص ثمينة لاستضافة فعاليات دولية، وتراجع جودة الخدمات المقدمة للمواطنين أنفسهم.

كل درهم يُنفق على إصلاح ما يتم تخريبه هو درهم مهدور كان يمكن استثماره في تحسين المرافق أو إنشاء خدمات جديدة. نحن ندور في حلقة مفرغة من الإصلاح والتخريب.

للتغلب على هذه الظاهرة، يجب الاعتماد على استراتيجية متكاملة تجمع بين التوعية والردع والمشاركة المجتمعية:

1. برامج التوعية والتربية القيمية

يجب أن تبدأ المواجهة من المدرسة والأسرة، عبر تعزيز قيم المواطنة والانتماء، وترسيخ مفهوم المسؤولية المشتركة تجاه المرافق العامة.

2. تطوير الإجراءات الأمنية والقانونية

ضرورة تفعيل النصوص القانونية المتعلقة بحماية المال العام، وتشديد العقوبات على مرتكبي أعمال التخريب، مع ضمان تنفيذها بشكل فعال وسريع.

3. تعزيز المشاركة المجتمعية

إشراك المواطنين في إدارة المرافق العامة وصيانتها يعزز الشعور بالملكية المشتركة ويحفز على الحفاظ عليها.

4. تطوير نموذج الحكامة والتواصل

جزء من المشكلة يكمن في ضعف التواصل بين المؤسسات الرسمية والمواطنين، وغياب الشفافية في تدبير الشأن العام.

إن مواجهة ظاهرة التخريب المتعمد للمرافق العامة تتطلب جهداً جماعياً متواصلاً وخطة استراتيجية شاملة تعالج جذور المشكلة وليس مظاهرها فقط. فالتحدي الحقيقي يكمن في إعادة بناء جسور الثقة بين المواطن والدولة، وتعزيز الشعور بالانتماء والمسؤولية تجاه المال العام.

تطوير البنى التحتية المادية يجب أن يسير جنباً إلى جنب مع تطوير البنية القيمية للمجتمع، فلا استدامة للأولى دون الثانية.

إن مستقبل المرافق العامة في بلادنا رهين بمدى نجاحنا في خلق ثقافة مجتمعية جديدة تعتبر هذه المرافق ملكية مشتركة ثمينة تستحق الحماية والرعاية، وليست مجرد خدمات تقدمها الدولة يمكن العبث بها دون مساءلة.

قد يهمك أيضا:

Exit mobile version